محلي

الجثث تملأ الشوارع في غزة.. وصحافية تصف حالها: “يا ليتني مِت قبل هذا وكنت نسيا منسيا”

مع تصاعد العدوان الإسرائيلي الدامي على قطاع غزة، تزداد شكاوى المواطنين وخاصة النازحون الذين تركوا منازلهم قسرا، بعد أن بات غالبيتهم في العراء، تقتلهم نيران القناصة والصواريخ الإسرائيلية في مدينة غزة، فيما يتهدد من نزحوا إلى مدينة رفح، خطر الموت جوعا أو مرضا.

 

إعدام في شوارع غزة

على مدار اليومين الماضيين، صعّد جيش الاحتلال من هجماته الدامية ضد مناطق عدة في مدينة غزة وشمالها، وتركزت المجازر الجديدة في منطقة وسط المدينة، ومنها أحياء الرمال والجلاء والنصر والشيخ رضوان.

 

ووفق شهادات من السكان الذين بقوا هناك، فإن قوات الاحتلال، بعد أن شنت هجمات دموية طالت النازحين في “مراكز الإيواء” شمال القطاع، ووثقت كاميرات الهواتف النقالة استشهاد العشرات من المواطنين فيها، وما ظهر أيضا في صور بثها جيش الاحتلال، لمئات المواطنين الذين اعتقلهم بعد أن جردهم من ملابسهم، انتقلت لتمارس ذات الأمر في مدينة غزة.

 

وبحسب شهادات هؤلاء، فإنه مع انتهاء “الهدن الإنسانية” كان الكثير من المواطنين قد انتقلوا من أحياء تقع شرق مدينة غزة، وأشهرها الشجاعية، إلى مناطق في وسط المدينة بناء على تهديدات إسرائيلية، ليفاجأوا هناك، بوجود أرتال من الدبابات الإسرائيلية التي أمطرتهم بالقذائف، فيما قام القناصة باستهدافهم وقتل الكثير منهم في الشوارع.

 

وترافق ذلك مع قصف جوي على شكل “أحزمة نارية” على العديد من العمارات السكنية، التي لجأ إليها الكثير وبعضها كان خاليا من السكان، ما أوقع أعدادا كبيرة من الشهداء.

 

وجاء ذلك بعد أن قامت قوات الاحتلال بمداهمة “مراكز إيواء” للاجئين في عدة مدارس هناك، وقتلت واعتلقت عددا من النازحين.

 

ووفق أحد الناجين من تلك المجازر، فقد أكد أن جنود القناصة كانوا يطلقون النار على كل متحرك يمر من الشوارع التي يتمركزون فيها، رغم علمهم بأن المتواجدين أمامهم فارون بناء على تهديدات عسكرية من شرق المدينة إلى غربها، وأكد أن القناصة كانوا يطلقون النار ويقتلون كل من يقترب من جثث الضحايا والمصابين في الشوارع لإنقاذهم.

 

وأشار إلى أن مشاهد مريبة شاهدها وأسرته خلال النزوح إلى غرب غزة، حيث ساروا برفقة الجيران في طوابير، يحملون أطفالهم ومرضاهم من كبار السن، ويسيرون تجاه المجهول، فيما كانت الكثير من الجثث تملأ الشوارع.

 

وفي دلالة على حجم المأساة، كتب أحد المواطنين مناشدة على مواقع التواصل يسأل عن جار لهم خرج مضطرا للبحث عن حليب لطفلته، فلم يعد حتى بعد يومين.

 

ويوميا يزداد عدد النازحين في مشفى الشفاء غرب المدينة، رغم عدم وجود أي مواد غذائية أو أي مقومات أخرى للحياة، خاصة بعد التدمير الكبير الذي تعرض له المشفى خلال اقتحامه من قبل جيش الاحتلال.

 

ولا تزال إمدادات الطعام شحيحة بشكل كبير في مناطق غزة والشمال، وذلك بسبب عدم سماح جيش الاحتلال، بإدخال المساعدات، إلا بكميات قليلة جدا، خلال فترة الهدن الإنسانية.

 

غلاء فاحش في الأسعار

في وسط قطاع غزة، لا يختلف الوضع كثيرا عن باقي المناطق، حيث صعّد جيش الاحتلال من غاراته الجوية على الكثير من المربعات السكنية خاصة في مخيم النصيرات، ما أوقع عشرات الشهداء، حيث أدى ذلك إلى إبادة عائلات بالكامل.

 

وفي هذه الأوقات، يعاني السكان أيضا وبشكل كبير من ارتفاع هائل في أسعار ما تبقى من مواد غذائية، والتي ارتفعت إلى أكثر من 400%.

 

ولا يزال الحصول على الدقيق أمرا في غاية الصعوبة، بسبب ارتفاع الثمن، وشح الكميات، حيث لا تتوفر أي كميات سوى تلك التي توزع بشكل متقطع من قبل وكالة “الأونروا”.

 

وتؤكد جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، أن ما يتم إدخاله من مساعدات لا يتناسب مع حجم المعاناة في قطاع غزة.

 

ويقول مدير عمليات “الأونروا” في غزة توماس وايت في تصريح صحافي تلقت “القدس العربي” نسخة منه، وهو يصف المأساة “إن الناس في حاجة ماسة للحصول على كيس من الطحين، نسمع غارات جوية قادمة، يعيش المزيد من النازحين في الشوارع، والجوع والمرض يطاردان الجميع”.

 

ويؤكد أن النظام المدني ينهار في غزة، وأن الشوارع تبدو موحشة، خاصة بعد حلول الظلام، حيث يتم نهب بعض قوافل المساعدات، ورشق مركبات الأمم المتحدة بالحجارة، وأضاف: “المجتمع على حافة الانهيار الشامل”.

 

وفي هذا السياق، قال أبو إبراهيم، وهو رجل في منتصف الخمسينات، إنه يبحث منذ أكثر من أسبوع على أي كمية من الدقيق أو الزيت والمعلبات لشرائها بثمن معقول، دون أن يجد طلبه. ويشير لـ”القدس العربي”، أن ثمن كيس الدقيق بحجم 25 كيلو، أصبح حاليا أكثر من 200 شيكل، بدلا من 60، “الدولار الأمريكي يساوي 3.7 شيكل”، لافتا إلى أن ثمن زجاجة الزيت ذات الثلاثة لترات، ارتفعت من 20 شيكلا، إلى أكثر من 60 شيكلا.

 

وهذا الأمر ينطبق على باقي المواد الغذائية الأساسية الأخرى كالأرز والعدس والفول والحمص، وغيرها الكثير. ويقول هذا الرجل الذي لا يملك أموالا وتعاني عائلته الفقر، إنه لم يقدر على شراء أي من هذه الأصناف، وأن زوجته تضطر لخبز ما توفر من دقيق عن طريق “الأونروا”، وإطعامه للأسرة مع قليل من “الزعتر”.

 

وفي مدينتي خان يونس ورفح، جنوبي قطاع غزة، تزداد المأساة الإنسانية بشكل خطير.

 

وعلاوة عن ارتفاع أعداد الشهداء في خان يونس بسبب القصف والهجوم البري، تزداد أوضاع من نزحوا إلى غرب المدينة “منطقة المواصي”، بشكل خطير، في ظل تدني درجات الحرارة والإقامة في خيام بلاستيكية.

 

وقال شاب أقام في إحدى الخيام على مقربة من مركز لـ”الأونروا” كغيره من السكان، إن خيمة العائلة يقيم فيها حاليا والداه والنساء والأطفال، فيما يبقى الرجال في العراء لعدم وجود مكان لهم.

 

ويؤكد هذا الشاب الذي نزح للمرة الثانية منذ بداية الحرب، حيث ترك منزله في مدينة غزة، وأقام عند صديق له بمدينة خان يونس، ليغادرا سويا إلى “المواصي” مع بدء العملية البرية، أن المناطق التي يُطلب من السكان الخروج إليها غير آمنة بالمطلق، وأن قصفا كثيرا كان قد استهدف منطقة نزوحه الأولى، وأن غارات إسرائيلية تضرب يوميا منطقة النزوح الثانية.

 

مأساة نازحي رفح

وفي رفح، تتواصل المأساة بشكل أكبر، حيث ترد إفادات جديدة للنازحين هناك وسكان المدينة التي تشهد حركة اكتظاظ غير مسبوقة، أن الوضع خطير جدا، وأن ظروف الحياة تهدد أطفالهم.

 

وتظهر روايات الشهود والصور التي ترد من المدينة وتنشر على مواقع التواصل، حجم المأساة. حيث ضرب النازحون خياما بلاستيكية في مناطق زراعية وغير مأهولة، بعد أن امتلأت أحياء المدينة بالنازحين.

 

وكثير من أسر المدينة تستضيف أكثر من أسرة في منازلها، فيما قام آخرون بوضع خيام في منتصف الطرقات الرئيسة وعلى جوانبها، بعد أن امتلأت “مراكز الإيواء” وساحات المشافي.

 

وينام حاليا المئات من المواطنين في العراء ويلتحفون السماء ليلا، وكغيرهم يشتكون من نقص حاد في إمدادات الطعام ومن الخدمات الأساسية.

 

وفي دلالة على حجم المأساة هناك، كتبj الصحافية نور السويركي، على موقع “فيسبوك، وهي التي وصلت مدينة رفح مع أسرتها نازحة للمرة الثانية منذ الحرب، حيث كانت تقيم في مدينة خان يونس: “نزحت للمرة الثانية، ولم أبكِ هذه المرة بل التزمت الصمت أمام رعب الحرب وجنونها وقهرها ومشاهد النزوح المخيفة، حيث الناس تهيم على وجوهها لا أحد يعرف طريقه في هذه الشوارع الغريبة علينا، شوارع لا بنايات فيها، معظمها أراضٍ زراعية ومستوطنات سابقة، يحمل النازحون خيامهم وفراشهم وملابسهم وعذاباتهم ويسيرون نحو المجهول، تثقلهم كل المخاوف التي تدور في عقولهم، الإحساس بعدم الأمان، الرغبة في التلاشي من كل هذا المشهد، كيف وصلنا هنا ونحن الذين لم نكن هنا يوماً سوى عابري طريق؟”، وأضافت: “نحن الذين نعيش أسوأ أحلامنا واقعاً قبل أن نحلم بها”.

 

وتواصل حديثها: “للنجاة؛ يبحث الجميع عن الماء، يصطفون في طوابير حاملين جالونات صفراء يمكن تمييزها في يد كل نازح، يبحثون عن الحطب لا يجدونه، يقتلعون الأشجار القديمة وسعف النخيل وأعمدة الإنارة التي لم يعد لها لزوم بسبب انقطاع الكهرباء، ويجمعون الأوراق وأكياس النايلون المتناثرة هنا وهناك، ترتدي النسوة ملابس الصلاة يطبخن على الحطب فيما يشعل هذه النار الرجال والشباب”.

 

وتضيف: “للتحذير؛ لا تحاول النظر في وجه نازح فقد أمانه وحياته وبيته وعائلته، نصيحتي لا تحاول، فغضب الدنيا وخذلانها يفيضان من عينيه، ولا تنفك قلوبنا تدعو الله النجاة والدعاء على من كان سببا هذه العذابات”، وتتابع: “نحن رهائن غزة نحن المحتجزون الحقيقيون هنا والذين لا يسعى أحد لتحريرهم”.

 

وتضيف: “والله لم ولن نطلب أكثر من حياة كالحياة نستحقها بجدارة، بعد كل فصول العذاب والمحاولات المتواصلة لصناعة حياة، أفلا تعقلون أنه قد حان الوقت لوضع نهاية لهذه الحرب؟ أفلا تصدقون حاجتنا للراحة والسلام والأمان؟”، وختمت تدوينتها وهي تشرح حالها بالآية القرآنية: “يا ليتني مِت قبل هذا، وكنت نسياً منسياً”.

 

أما الإعلامية ناهد أبو طعيمة، فكتبت تصف حال شقيقاتها: “يا بنات أمي سلام عليكن، بالصدفة كنا ثمانية أخوات، وكانت لنا دوماً انتظارات وتخيلات للقاء، لكننا لم نملك يوما مخيلة بلقاء تكون أجمل ما فينا في حاصل بارد في رفح، وأخريات في مدرسة للإيواء في خان يونس، وأصلبنا في خيمة قريبة من مستشفى ناصر، ورابعة وخامسة في مواصي رفح. أما أنا في رام الله عالقة في نشرة أخبار تبث موعدا قريبا للقاء”.

 

ولم تقف مأساة النازحين عند هذا الحد، فإن كان هناك من يعرف مكان أقاربه وذويه، فهناك من فرقتهم الصواريخ الإسرائيلية، وفروا كل إلى مكان لا يعرف أين يتواجد باقي أفراد أسرته، ومن بينهم أحمد صالح، الذي كتب على “فيسبوك”: “أهلنا في رفح، أستحلفكم شوفولي أولادي عندكم، في مراكز الايواء في الخيام أو في المواصي، شوفولي إياهم ميتين أو عايشين، يا جماعة نفسيتي تعبت.. أبوس أياديكم حدا يطمني، هاي (هذه) صورهم”، وقد وضع صورا لأبنائه مرفقة بأسمائهم واسم زوجته.

 

الصواريخ تشتت العائلات

وعن فصول أخرى من مأساة النازحين، كتب توفيق أبو جراد، وهو أحد النازحين الجدد لمدينة رفح: “طوفان بشري في رفح، حيث شح في كل المواد التموينية مع غلاء جنوني في الأسعار، حيث باتت المدينة على فوهة المجاعة، مع تزايد عدد النازحين وعدم وجود أماكن صحية للإيواء، وفي ظل الوضع الاقتصادي الصعب للمواطنين وخصوصاً القادمين من شمال غزة وشرقها، حيث توقفت أعمالهم وزراعتهم وهدمت منازلهم وخرجوا بدون أي أمتعة ومنهم لا يملك الأموال الكافية للعيش”.

 

ويضيف: “لا يمكن أن يتحمل النازحون أكثر من ذلك في ظل عدم وجود مساعدات كافية لهم، مع انخفاض كبير في درجة الحرارة، وفي حالة هطول الأمطار تبدأ مأساة أخرى أصعب”.

 

ويتابع: “إن ما يعانيه النازحون من إذلال ومهانة وصعوبة العيش، سيبقى وصمة عار على جبين كل الإنسانية ودعاة حقوق الإنسان والمجتمع الدولي”.

 

ويشير إلى أن “جدول الطوابير” بسب الظروف الحالية أصبح جزءا من حياتهم، وهو طابور الانتظار أمام الحمام، وطابور الانتظار أمام الفرن للخبز، وطابور تعبئة مياه الغسل، وطابور تعبئة مياه الشرب، وطابور شحن الجوال، وطابور الحصول على علبة فول إن وجدت، ويختم: “هكذا يمارس النازح حياته اليومية في ظل عدم وجود بارقة أمل لتوقف الحرب”.

الجثث تملأ الشوارع في غزة.. وصحافية تصف حالها: “يا ليتني مِت قبل هذا وكنت نسيا منسيا”

مع تصاعد العدوان الإسرائيلي الدامي على قطاع غزة، تزداد شكاوى المواطنين وخاصة النازحون الذين تركوا منازلهم قسرا، بعد أن بات غالبيتهم في العراء، تقتلهم نيران القناصة والصواريخ الإسرائيلية في مدينة غزة، فيما يتهدد من نزحوا إلى مدينة رفح، خطر الموت جوعا أو مرضا.

 

إعدام في شوارع غزة

على مدار اليومين الماضيين، صعّد جيش الاحتلال من هجماته الدامية ضد مناطق عدة في مدينة غزة وشمالها، وتركزت المجازر الجديدة في منطقة وسط المدينة، ومنها أحياء الرمال والجلاء والنصر والشيخ رضوان.

 

ووفق شهادات من السكان الذين بقوا هناك، فإن قوات الاحتلال، بعد أن شنت هجمات دموية طالت النازحين في “مراكز الإيواء” شمال القطاع، ووثقت كاميرات الهواتف النقالة استشهاد العشرات من المواطنين فيها، وما ظهر أيضا في صور بثها جيش الاحتلال، لمئات المواطنين الذين اعتقلهم بعد أن جردهم من ملابسهم، انتقلت لتمارس ذات الأمر في مدينة غزة.

 

وبحسب شهادات هؤلاء، فإنه مع انتهاء “الهدن الإنسانية” كان الكثير من المواطنين قد انتقلوا من أحياء تقع شرق مدينة غزة، وأشهرها الشجاعية، إلى مناطق في وسط المدينة بناء على تهديدات إسرائيلية، ليفاجأوا هناك، بوجود أرتال من الدبابات الإسرائيلية التي أمطرتهم بالقذائف، فيما قام القناصة باستهدافهم وقتل الكثير منهم في الشوارع.

 

وترافق ذلك مع قصف جوي على شكل “أحزمة نارية” على العديد من العمارات السكنية، التي لجأ إليها الكثير وبعضها كان خاليا من السكان، ما أوقع أعدادا كبيرة من الشهداء.

 

وجاء ذلك بعد أن قامت قوات الاحتلال بمداهمة “مراكز إيواء” للاجئين في عدة مدارس هناك، وقتلت واعتلقت عددا من النازحين.

 

ووفق أحد الناجين من تلك المجازر، فقد أكد أن جنود القناصة كانوا يطلقون النار على كل متحرك يمر من الشوارع التي يتمركزون فيها، رغم علمهم بأن المتواجدين أمامهم فارون بناء على تهديدات عسكرية من شرق المدينة إلى غربها، وأكد أن القناصة كانوا يطلقون النار ويقتلون كل من يقترب من جثث الضحايا والمصابين في الشوارع لإنقاذهم.

 

وأشار إلى أن مشاهد مريبة شاهدها وأسرته خلال النزوح إلى غرب غزة، حيث ساروا برفقة الجيران في طوابير، يحملون أطفالهم ومرضاهم من كبار السن، ويسيرون تجاه المجهول، فيما كانت الكثير من الجثث تملأ الشوارع.

 

وفي دلالة على حجم المأساة، كتب أحد المواطنين مناشدة على مواقع التواصل يسأل عن جار لهم خرج مضطرا للبحث عن حليب لطفلته، فلم يعد حتى بعد يومين.

 

ويوميا يزداد عدد النازحين في مشفى الشفاء غرب المدينة، رغم عدم وجود أي مواد غذائية أو أي مقومات أخرى للحياة، خاصة بعد التدمير الكبير الذي تعرض له المشفى خلال اقتحامه من قبل جيش الاحتلال.

 

ولا تزال إمدادات الطعام شحيحة بشكل كبير في مناطق غزة والشمال، وذلك بسبب عدم سماح جيش الاحتلال، بإدخال المساعدات، إلا بكميات قليلة جدا، خلال فترة الهدن الإنسانية.

 

غلاء فاحش في الأسعار

في وسط قطاع غزة، لا يختلف الوضع كثيرا عن باقي المناطق، حيث صعّد جيش الاحتلال من غاراته الجوية على الكثير من المربعات السكنية خاصة في مخيم النصيرات، ما أوقع عشرات الشهداء، حيث أدى ذلك إلى إبادة عائلات بالكامل.

 

وفي هذه الأوقات، يعاني السكان أيضا وبشكل كبير من ارتفاع هائل في أسعار ما تبقى من مواد غذائية، والتي ارتفعت إلى أكثر من 400%.

 

ولا يزال الحصول على الدقيق أمرا في غاية الصعوبة، بسبب ارتفاع الثمن، وشح الكميات، حيث لا تتوفر أي كميات سوى تلك التي توزع بشكل متقطع من قبل وكالة “الأونروا”.

 

وتؤكد جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني، أن ما يتم إدخاله من مساعدات لا يتناسب مع حجم المعاناة في قطاع غزة.

 

ويقول مدير عمليات “الأونروا” في غزة توماس وايت في تصريح صحافي تلقت “القدس العربي” نسخة منه، وهو يصف المأساة “إن الناس في حاجة ماسة للحصول على كيس من الطحين، نسمع غارات جوية قادمة، يعيش المزيد من النازحين في الشوارع، والجوع والمرض يطاردان الجميع”.

 

ويؤكد أن النظام المدني ينهار في غزة، وأن الشوارع تبدو موحشة، خاصة بعد حلول الظلام، حيث يتم نهب بعض قوافل المساعدات، ورشق مركبات الأمم المتحدة بالحجارة، وأضاف: “المجتمع على حافة الانهيار الشامل”.

 

وفي هذا السياق، قال أبو إبراهيم، وهو رجل في منتصف الخمسينات، إنه يبحث منذ أكثر من أسبوع على أي كمية من الدقيق أو الزيت والمعلبات لشرائها بثمن معقول، دون أن يجد طلبه. ويشير لـ”القدس العربي”، أن ثمن كيس الدقيق بحجم 25 كيلو، أصبح حاليا أكثر من 200 شيكل، بدلا من 60، “الدولار الأمريكي يساوي 3.7 شيكل”، لافتا إلى أن ثمن زجاجة الزيت ذات الثلاثة لترات، ارتفعت من 20 شيكلا، إلى أكثر من 60 شيكلا.

 

وهذا الأمر ينطبق على باقي المواد الغذائية الأساسية الأخرى كالأرز والعدس والفول والحمص، وغيرها الكثير. ويقول هذا الرجل الذي لا يملك أموالا وتعاني عائلته الفقر، إنه لم يقدر على شراء أي من هذه الأصناف، وأن زوجته تضطر لخبز ما توفر من دقيق عن طريق “الأونروا”، وإطعامه للأسرة مع قليل من “الزعتر”.

 

وفي مدينتي خان يونس ورفح، جنوبي قطاع غزة، تزداد المأساة الإنسانية بشكل خطير.

 

وعلاوة عن ارتفاع أعداد الشهداء في خان يونس بسبب القصف والهجوم البري، تزداد أوضاع من نزحوا إلى غرب المدينة “منطقة المواصي”، بشكل خطير، في ظل تدني درجات الحرارة والإقامة في خيام بلاستيكية.

 

وقال شاب أقام في إحدى الخيام على مقربة من مركز لـ”الأونروا” كغيره من السكان، إن خيمة العائلة يقيم فيها حاليا والداه والنساء والأطفال، فيما يبقى الرجال في العراء لعدم وجود مكان لهم.

 

ويؤكد هذا الشاب الذي نزح للمرة الثانية منذ بداية الحرب، حيث ترك منزله في مدينة غزة، وأقام عند صديق له بمدينة خان يونس، ليغادرا سويا إلى “المواصي” مع بدء العملية البرية، أن المناطق التي يُطلب من السكان الخروج إليها غير آمنة بالمطلق، وأن قصفا كثيرا كان قد استهدف منطقة نزوحه الأولى، وأن غارات إسرائيلية تضرب يوميا منطقة النزوح الثانية.

 

مأساة نازحي رفح

وفي رفح، تتواصل المأساة بشكل أكبر، حيث ترد إفادات جديدة للنازحين هناك وسكان المدينة التي تشهد حركة اكتظاظ غير مسبوقة، أن الوضع خطير جدا، وأن ظروف الحياة تهدد أطفالهم.

 

وتظهر روايات الشهود والصور التي ترد من المدينة وتنشر على مواقع التواصل، حجم المأساة. حيث ضرب النازحون خياما بلاستيكية في مناطق زراعية وغير مأهولة، بعد أن امتلأت أحياء المدينة بالنازحين.

 

وكثير من أسر المدينة تستضيف أكثر من أسرة في منازلها، فيما قام آخرون بوضع خيام في منتصف الطرقات الرئيسة وعلى جوانبها، بعد أن امتلأت “مراكز الإيواء” وساحات المشافي.

 

وينام حاليا المئات من المواطنين في العراء ويلتحفون السماء ليلا، وكغيرهم يشتكون من نقص حاد في إمدادات الطعام ومن الخدمات الأساسية.

 

وفي دلالة على حجم المأساة هناك، كتبj الصحافية نور السويركي، على موقع “فيسبوك، وهي التي وصلت مدينة رفح مع أسرتها نازحة للمرة الثانية منذ الحرب، حيث كانت تقيم في مدينة خان يونس: “نزحت للمرة الثانية، ولم أبكِ هذه المرة بل التزمت الصمت أمام رعب الحرب وجنونها وقهرها ومشاهد النزوح المخيفة، حيث الناس تهيم على وجوهها لا أحد يعرف طريقه في هذه الشوارع الغريبة علينا، شوارع لا بنايات فيها، معظمها أراضٍ زراعية ومستوطنات سابقة، يحمل النازحون خيامهم وفراشهم وملابسهم وعذاباتهم ويسيرون نحو المجهول، تثقلهم كل المخاوف التي تدور في عقولهم، الإحساس بعدم الأمان، الرغبة في التلاشي من كل هذا المشهد، كيف وصلنا هنا ونحن الذين لم نكن هنا يوماً سوى عابري طريق؟”، وأضافت: “نحن الذين نعيش أسوأ أحلامنا واقعاً قبل أن نحلم بها”.

 

وتواصل حديثها: “للنجاة؛ يبحث الجميع عن الماء، يصطفون في طوابير حاملين جالونات صفراء يمكن تمييزها في يد كل نازح، يبحثون عن الحطب لا يجدونه، يقتلعون الأشجار القديمة وسعف النخيل وأعمدة الإنارة التي لم يعد لها لزوم بسبب انقطاع الكهرباء، ويجمعون الأوراق وأكياس النايلون المتناثرة هنا وهناك، ترتدي النسوة ملابس الصلاة يطبخن على الحطب فيما يشعل هذه النار الرجال والشباب”.

 

وتضيف: “للتحذير؛ لا تحاول النظر في وجه نازح فقد أمانه وحياته وبيته وعائلته، نصيحتي لا تحاول، فغضب الدنيا وخذلانها يفيضان من عينيه، ولا تنفك قلوبنا تدعو الله النجاة والدعاء على من كان سببا هذه العذابات”، وتتابع: “نحن رهائن غزة نحن المحتجزون الحقيقيون هنا والذين لا يسعى أحد لتحريرهم”.

 

وتضيف: “والله لم ولن نطلب أكثر من حياة كالحياة نستحقها بجدارة، بعد كل فصول العذاب والمحاولات المتواصلة لصناعة حياة، أفلا تعقلون أنه قد حان الوقت لوضع نهاية لهذه الحرب؟ أفلا تصدقون حاجتنا للراحة والسلام والأمان؟”، وختمت تدوينتها وهي تشرح حالها بالآية القرآنية: “يا ليتني مِت قبل هذا، وكنت نسياً منسياً”.

 

أما الإعلامية ناهد أبو طعيمة، فكتبت تصف حال شقيقاتها: “يا بنات أمي سلام عليكن، بالصدفة كنا ثمانية أخوات، وكانت لنا دوماً انتظارات وتخيلات للقاء، لكننا لم نملك يوما مخيلة بلقاء تكون أجمل ما فينا في حاصل بارد في رفح، وأخريات في مدرسة للإيواء في خان يونس، وأصلبنا في خيمة قريبة من مستشفى ناصر، ورابعة وخامسة في مواصي رفح. أما أنا في رام الله عالقة في نشرة أخبار تبث موعدا قريبا للقاء”.

 

ولم تقف مأساة النازحين عند هذا الحد، فإن كان هناك من يعرف مكان أقاربه وذويه، فهناك من فرقتهم الصواريخ الإسرائيلية، وفروا كل إلى مكان لا يعرف أين يتواجد باقي أفراد أسرته، ومن بينهم أحمد صالح، الذي كتب على “فيسبوك”: “أهلنا في رفح، أستحلفكم شوفولي أولادي عندكم، في مراكز الايواء في الخيام أو في المواصي، شوفولي إياهم ميتين أو عايشين، يا جماعة نفسيتي تعبت.. أبوس أياديكم حدا يطمني، هاي (هذه) صورهم”، وقد وضع صورا لأبنائه مرفقة بأسمائهم واسم زوجته.

 

الصواريخ تشتت العائلات

وعن فصول أخرى من مأساة النازحين، كتب توفيق أبو جراد، وهو أحد النازحين الجدد لمدينة رفح: “طوفان بشري في رفح، حيث شح في كل المواد التموينية مع غلاء جنوني في الأسعار، حيث باتت المدينة على فوهة المجاعة، مع تزايد عدد النازحين وعدم وجود أماكن صحية للإيواء، وفي ظل الوضع الاقتصادي الصعب للمواطنين وخصوصاً القادمين من شمال غزة وشرقها، حيث توقفت أعمالهم وزراعتهم وهدمت منازلهم وخرجوا بدون أي أمتعة ومنهم لا يملك الأموال الكافية للعيش”.

 

ويضيف: “لا يمكن أن يتحمل النازحون أكثر من ذلك في ظل عدم وجود مساعدات كافية لهم، مع انخفاض كبير في درجة الحرارة، وفي حالة هطول الأمطار تبدأ مأساة أخرى أصعب”.

 

ويتابع: “إن ما يعانيه النازحون من إذلال ومهانة وصعوبة العيش، سيبقى وصمة عار على جبين كل الإنسانية ودعاة حقوق الإنسان والمجتمع الدولي”.

 

ويشير إلى أن “جدول الطوابير” بسب الظروف الحالية أصبح جزءا من حياتهم، وهو طابور الانتظار أمام الحمام، وطابور الانتظار أمام الفرن للخبز، وطابور تعبئة مياه الغسل، وطابور تعبئة مياه الشرب، وطابور شحن الجوال، وطابور الحصول على علبة فول إن وجدت، ويختم: “هكذا يمارس النازح حياته اليومية في ظل عدم وجود بارقة أمل لتوقف الحرب”.

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى