اقـــتصادمحليمنوعات

النمو الاقتصادي والحفاظ على الطبقة الوسطى

النمو الاقتصادي والحفاظ على الطبقة الوسطى

بقلم: الدكتور محمد أبو حمور*

يعتبر النمو الاقتصادي أداة أساسية لتحقيق الطموحات التنموية في مختلف المجتمعات، فهو يؤدي لتوليد مزيد من فرص العمل التي تساهم في مكافحة الفقر والبطالة كما أنه يساعد في زيادة الإيرادات التي تمكن السلطات التنفيذية من تخصيص موارد إضافية لتقديم الخدمات للمواطنين وتحسين مستوى معيشتهم.

ومن المتعارف عليه أن النمو الاقتصادي بحد ذاته لا يؤدي بالضرورة الى توزيع عادل للدخل كما أنه قد لا يقلص التفاوتات الاجتماعية، ومن هنا يبرز دور الحكومات في اتخاذ عدد من الإجراءات والتدابير التي تساعد في تحقيق النمو الشامل الذي يساعد على إيصال ثمار التنمية الى مختلف الفئات الاجتماعية، واضافة الى ما يمكن أن تساهم به السياسات المالية في توزيع الدخل وتقليص الأعباء الضريبية على مجموعات محددة من المهم أيضاً العمل على تحسين الحوكمة وتعزيز الشفافية والاستمرار في اتباع سياسات ضريبية اكثر عدالة ومحاربة التهرب الضريبي، ومواصلة تحسين سياسات وبرامج الحماية الاجتماعية التي تضمن الوصول الى الفئات المستحقة وتمنح الفرص للفئات الأقل حظاً وتتيح مواجهة الاقصاء والتهميش وتحفظ كرامة المواطن.

هذا بالإضافة الى تحسين سياسات سوق العمل وتنظيمه بما يكفل حقوق مختلف الجهات، وفي ذات الاطار العمل على محاربة الاحتكار وضمان تنافسية الأسواق وتوفير شروط عادلة تحافظ على الحقوق وتحفز العمل والإنتاج، ومجموع هذه العوامل يشكل قاعدة لاستدامة النمو وشموليته ومساهمة في الحفاظ على الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي.

تؤدي الطبقة الوسطى دوراً اساسياً في الحفاظ على تماسك المجتمع وتنميته وتعزيز قدرته على مواجهة التحديات، وتساهم في تحقيق التوازن المجتمعي، مما يؤهلها لتشكل ضمانة الاستقرار السياسي والاجتماعي، وعلى الصعيد الاقتصادي تعد محفزاً أساسياً للنمو ومصدراً للازدهار الاقتصادي عبر توفير قاعدة واسعة من المنتجين والمستهلكين ومصدراً خصباً للمبادرات الريادية التي تشجع الابتكار عبر السعي الحثيث الذي تحرص عليه لتحسين أوضاعها المعيشية.

وهي ايضاً المصدر الرئيسي لتمويل نفقات الدولة ، حيث تتحمل أعباء الضرائب والرسوم المختلفة وخاصة تلك المفروضة على المبيعات، وفي نفس الوقت فهي كثيرا ما تعتمد على مصادرها الذاتية للحصول على بعض الخدمات الاساسية مثل الصحة والتعليم وبذلك تخفف الاعباء عن كاهل الدولة، ولا شك بان هناك ترابطاً ديناميكياً وعلاقة طردية بين حجم الطبقة الوسطى ومستوى الازدهار الاقتصادي والذي بدوره يعزز من تنمية رأس المال البشري ويرسي قواعد تمكن المجتمع من تحقيق المزيد من الانجازات الاقتصادية.

ونستطيع القول أن نمو الطبقة الوسطى والحفاظ على مستوى معيشتها يؤشر بوضوح الى مدى نجاح السياسات في مختلف المجالات الاقتصادية والمالية، كما يشير أيضاً الى مستوى العدالة في توزيع الدخل وتحقيق التنمية المتوازنة التي تنعكس على مختلف فئات المجتمع، ومن المؤكد ان تآكل الطبقة الوسطى نتيجة للسياسات الاقتصادية غير الملائمة يلقي بظلال قاتمة على معدلات النمو والطلب والاستهلاك في الاقتصاد وينعكس ايضاً بشكل سلبي على ايرادات الخزينة العامة.

تباطؤ معدلات النمو الاقتصادي خلال العقد الأخير وعدم اتساقها مع معدلات النمو السكاني والذي ترافق مع بعض الإجراءات والسياسات الضريبة أثر الى حد كبير على مختلف الفئات الاجتماعية، الا أن هذا الأثر كان أكثر وضوحاً على الطبقة الوسطى وذلك نظراً لطبيعة مصادر دخلها ونمط انفاقها ومدى قدرتها على التكيف مع المتغيرات الاقتصادية المختلفة، ولعله من المناسب التفكير جدياً في تبني مجموعة من السياسات واتخاذ عدد من الإجراءات التي تعمل على تحفيز القطاعات الإنتاجية والاستثمارية وتوفر الظروف الملائمة لتنمية المشاريع الصغيرة وتخفض كلف الإنتاج وتشجع المبادرات المجتمعية سعياً الى توسيع شريحة الطبقة الوسطى وتوليد مزيد من فرص العمل وتحسين الظروف المعيشية لمختلف الشرائح الاجتماعية.

*وزير المالية الأسبق

 

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى